إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
101735 مشاهدة print word pdf
line-top
ما جاء في قصة ذي القرنين وطلبه لعين الحياة التي في الظلمات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى: قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الآملي قال: حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا أبي عن معمر بن سام عن أبي جعفر عن أبيه أنه سئل عن ذي القرنين قال: كان ذو القرنين عبدا من عباد الله -عز وجل- صالحا وكان من الله بمنزلة ضخم، وكان قد ملك ما بين المشرق والمغرب وكان له خليل من الملائكة يقال له: زيافيل وكان يأتي ذا القرنين يزوره.
فبينا هما ذات يوم يتحدثان إذ قال له ذو القرنين حدثني كيف كانت عبادتكم في السماء قال: فبكى ثم قال: يا ذا القرنين وما عبادتكم عند عبادتنا في السماء، ملائكة قيام لا يجلسون أبدا ومنهم ساجد لا يرفع رأسه أبدا وراكع لا يستوي قائما أبدا ورافع وجهه لا يطرق شاخص أبدا يقول: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح رب ما عبدناك حق عبادتك قال: فبكى ذو القرنين بكاء شديدا ثم قال: يا زيافيل إني أحب أن أعيش حتى أبلغ من عبادة ربي حق طاعته قال: وتحب ذلك يا ذا القرنين قال: نعم قال زيافيل فإن لله تبارك وتعالى عينا تسمى عين الحياة من شرب منها شربة لم يمت أبدا حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت، قال ذو القرنين فهل تعلمون أنتم موضع تلك العين قال زيافيل لا، غير أنا نتحدث في السماء أن لله ظلمة في الأرض لم يطأها إنس ولا جن، ونحن نظن أن تلك العين في تلك الظلمة.
قال: فجمع ذو القرنين علماء أهل الأرض وأهل دراسة الكتب وآثار النبوة فقال: أخبروني هل وجدتم في كتاب الله وفيما عندكم من الأحاديث عن الأنبياء والعلماء قبلكم أن الله تبارك وتعالى وضع على الأرض عينا سماها عين الحياة قالوا: لا قال: ذو القرنين فهل وجدتم فيها أن الله تعالى وضع في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جن قالوا: لا، قال عالم منهم: أيها الملك لِمَ تسأل عن هذا فأخبره بما قاله زيافيل فقال: أيها الملك إني قرأت وصية آدم عليه السلام فوجدت فيها أن الله تبارك وتعالى وضع في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان قال ذو القرنين فأين وجدتها في الأرض قال: وجدتها على قرن الشمس فبعث ذو القرنين فحشر الناس والفقهاء والأشراف والملوك ثم سار يطلب مطلع الشمس فسار إلى أن بلغ طرف الظلمة اثنتي عشرة سنة، فإذا الظلمة ليست بليل وهي ظلمة تفور مثل الدخان فعسكر.
ثم جمع علماء أهل عسكره فقال: إني أريد أن أسلك هذه الظلمة فقالوا: أيها الملك إنه قد كان قبلك من الأنبياء والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة فلا تطلبها، فإنا نخاف أن يتشعب علينا منها أمر نكرهه ويكون فيه فساد أهل الأرض فقال ذو القرنين لا بد أن أسلكها فخر العلماء سجودا ثم قالوا: أيها الملك كف عن هذا ولا تطلبها فإنا لو كنا نعلم أنك إذا طلبتها ظفرت بما تريد ولم يسخط الله علينا لكان ولكنا نخاف المقت من الله تعالى وأن يتشعب علينا منها أمر يكون فيه فساد أهل الأرض ومن عليها فقال ذو القرنين إنه لا بد من أن أسلكها فقالوا: فشأنك قال: أخبروني أي الدواب بالليل أبصر قالوا: البكارة فأرسل فجمع له ستة آلاف فرس أنثى بكارة فانتخب من عسكره ستة آلاف رجل من أهل العقل والعلم فدفع إلى كل رجل فرسا وعقد للخضر -صلى الله عليه وسلم - على مقدمته في ألفي رجل وبقي هو في أربعة آلاف رجل، وقال لمن بقي من الناس من عسكره: لا تبرحوا عسكري اثنتي عشرة سنة، فإن نحن رجعنا إليكم وإلا فارجعوا إلى بلادكم.
فقال الخضر أيها الملك إنك تسلك ظلمة لا تدري كم مسيرتها ولا يبصر بعضنا بعضا فكيف نصنع بالظلل إذا أصابتنا فدفع ذو القرنين إلى الخضر خرزة حمراء فقال: إذا أصابكم الظلل فاطرح هذه الخرزة إلى الأرض فإذا صاحت فليرجع أهل الظلال فسار الخضر بين يدي ذي القرنين يرتحل الخضر وينزل ذو القرنين وقد عرف الخضر ما يطلب ذو القرنين وذو القرنين يكتم ذلك فبينا الخضر يسير إذ عارضه واد فظن أن العين في ذلك الوادي فلما أتى شفير الوادي قال لأصحابه: قفوا ولا يبرحن رجل منكم من موقفه ورمى الخضر بالخرزة فإذا هي على حافة العين فنزع الخضر ثيابه ثم دخل العين فإذا ماء أشد بياضا من اللبن وأحلى من الشهد فشرب منه وتوضأ واغتسل ثم خرج فلبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فوقعت الخرزة فصاحت فرجع الخضر إلى صوت الخرزة وإلى أصحابه فركب وقال: لأصحابه سيروا بسم الله قال: ومر ذو القرنين فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما ثم خرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر أرض خضراء حشاشة، وإذا في تلك الأرض قصر مبني طوله فرسخ في فرسخ مبوب ليس عليه أبواب فنزل ذو القرنين بعسكره.
ثم خرج وحده حتى نزل ذلك القصر فإذا حديدة قد وضع طرفاها على حافتي القصر من هاهنا وهاهنا فإذا طائر أسود كأنه الخطاف مزموم بأنفه إلى الحديد معلق بين السماء والأرض قال: فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال: من هذا قال: أنا ذو القرنين قال الطائر: ما كفاك وما وراءك حتى وصلت إلي ثم قال: يا ذا القرنين حدثني قال: سل ما شئت قال: هل كثر بناء الجص والآجر قال: نعم قال: فانتفض الطائر انتفاضة انتفخ ثم انتفض حتى بلغ ثلث الحديدة ثم قال: يا ذا القرنين أخبرني قال: سل قال: كثر شهادة الزور في الأرض قال: نعم فانتفض الطائر ثم انتفخ حتى بلغ ثلثي الحديدة قال: يا ذا القرنين حدثني هل كثر المعازف في الأرض قال: نعم فانتفض الطائر حتى ملأ الحديدة سد ما بين جداري القصر قال: ففرق ذو القرنين فرقا شديدا قال الطائر: يا ذا القرنين لا تخف حدثني قال: سل قال: هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله بعد قال: لا قال: فانتفض الطائر ثلاثا ثم قال: حدثني يا ذا القرنين قال: سل قال: هل ترك الناس الصلاة المكتوبة بعد قال: لا فانتفض ثلاثا ثم قال: حدثني يا ذا القرنين قال: سل قال: هل ترك الناس الغسل من الجنابة بعد قال: لا، فعاد الطائر كما كان.
ثم قال: يا ذا القرنين اسلك هذه الدرجة التي في أعلى القصر قال: فسلكها ذو القرنين وهو خائف حتى إذا استوى على صدر الدرجة إذا سطح ممدود في واد عليه رجل قائم أو متشبه بالرجل شاب عليه ثياب بيض رافع وجهه إلى السماء واضع يده على فيه فلما سمع حس ذي القرنين قال: من هذا قال: أنا ذو القرنين فمن أنت قال: أنا صاحب الصور قال: فما بالي أراك واضع يدك على فيك رافع وجهك إلى السماء قال: إن الساعة قد اقتربت فأنا انتظر من ربي أن يأمرني أن أنفخ ثم أخذ صاحب الصور شيئا من بين يديه كأنه حجر فقال: خذ هذا يا ذا القرنين فإن شبع هذا الحجر شبعت وإن جاع جعت فأخذ ذو القرنين الحجر ثم رجع إلى أصحابه فحدثهم بالطير وما قال له، وما رد عليه.
فجمع ذو القرنين أهل عسكره فقال: أخبروني عن هذا الحجر ما أمره فأخذ العلماء كفتي الميزان فوضعوا الحجر في إحدى الكفتين ثم أخذوا حجرا مثله فوضعوه في الكفة الأخرى فإذا الحجر الذي جاء به ذو القرنين مثل جميع ما وضع معه حتى وضعوا معه ألف حجر قال: العلماء أيها الملك انقطع علمنا دون ذلك أسحر هذا أم علم ما ندري هذا؟! قال: والخضر ينظر ما يصنعون وهو ساكت فقال ذو القرنين للخضر : هل عندك من هذا علم؟ قال: نعم فأخذ الميزان بيده ثم أخذ الحجر الذي جاء به ذو القرنين فوضعه في إحدى الكفتين ثم أخذ حجرا من تلك الأحجار مثله فوضعه في الكفة الأخرى ثم أخذ كفا من تراب فوضعه مع الحجر الذي جاء به ذو القرنين ثم رفع الميزان فاستوى قال: فخر العلماء سجدا وقالوا: سبحان الله إن هذا العلم ما نبلغه قال: ذو القرنين للخضر فأخبرني ما هذا؟
قال الخضر أيها الملك إن سلطان الله قاهر لخلقه وأمره نافذ فيهم وإن الله تعالى ابتلى خلقه بعضهم ببعض فابتلى العالم بالعالم وابتلى الجاهل بالجاهل وابتلى الجاهل بالعالم وابتلى العالم بالجاهل، وأنه ابتلاني بك وابتلاك بي قال ذو القرنين حسبك قد قلت فأخبرني قال: أيها الملك هذا مثل ضربه لك صاحب الصور أن الله -عز وجل- سبب لك البلاد وأعطاك منها ما لم يعط أحدا وأوطأك منها ما لم يوطئ أحدا منها فلم تشبع فأبت نفسك إلا شرها حتى بلغت من سلطان الله -عز وجل- ما لم يبلغه أحد وما لم يطلبه إنس ولا جان.
فهذا مثل ضربه لك صاحب الصور فإن ابن آدم لا يشبع أبدا دون أن يحثى عليه التراب قال: فهنا يا ذا القرنين ثم قال: صدقت يا خضر في ضرب هذا المثل لا جرم لا أطلب أثرا في البلاد وبعد مسيري هذا حتى أموت ثم ارتحل ذو القرنين راجعا حتى إذا كان في وسط الظلمات وطئ الوادي الذي كان فيه زبرجد فقال الذين معه: أيها الملك ما هذا الذي تحتك وسمعوا خشخشة تحتهم قال: ذو القرنين خذوا فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم فأخذ منه الرجل الشيء بعد الشيء وترك عامتهم لم يأخذوا منه لم يأخذوا شيئا فلما خرجوا فإذا هو زبرجد فندم الآخذ والتارك ثم رجع ذو القرنين إلى دومة الجندل وكان بمنزله بها فأقام بها حتى مات.
قال: أبو جعفر إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: رحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بالزبرجد في مبدئه ما ترك منه شيئا حتى يخرجه إلى الناس لأنه كان راغبا في الدنيا، ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا لا حاجة له فيه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
قال: وحدثنا الوليد بن أبان قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: وقرأت على يحيى بن عبدك قال: حدثنا المقرئ قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد قال: حدثني سعد بن مسعود عن شيخين من شيوخ تجيب قالا: كنا بالإسكندرية فقلنا: لو انطلقنا إلى عقبة بن عامر فتحدثنا عنده فانطلقنا فوجدناه جالسا في ظل داره فأخبرنا الخبر فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: أنا عبد لا أعلم إلا ما علمني ربي ثم قال: اذهب فمن وجدت بالباب من أصحابي فأدخلهم فلما رآهم النبي -صلى الله عليه وسلم -قال لهم: إن شئتم لأخبرتكم بما جئتم تسألوني عنه قبل أن تكلموني وإن شئتم تكلمتم فأخبرتكم بما جئتم تسألوني عنه قالوا: بل أخبرنا. قال: جئتم تسألوني عن ذي القرنين فسوف أخبركم كما تجدونه مكتوبا في كتبكم إن أول أمره كان غلاما من الروم أعطي ملكا فسار حتى أتى أرض مصر فابتنى عندها مدينة يقال لها الإسكندرية فلما فرغ من بنائها أتاه ملك فعرج به فقال: انظر ما تحتك فقال: أرى مدينتي وأرى معهما مدائن ثم عرج به فقال: انظر ما ترى فقال: أرى مدينتي قد اختلطت بالمدائن ثم زاد فقال: انظر ما ترى قال: لا أرى مدينتي وحدها لا أرى غيرها. فقال له الملك: لك تلك الأرض كلها وهذا السواد الذي ترى محيطا بنا البحر وإنما أراد الله تبارك وتعالى أن يريك الأرض وقد جعل لك سلطانا فيها فسر في الأرض فعلم الجاهل وثبت العالم، فسار حتى بلغ مغرب الشمس ثم سار حتى بلغ مطلع الشمس ثم أتى السدين وهما جبلان لينان يزلق عليهما كل شيء فبنى السد ثم سار فوجد يأجوج ومأجوج يقاتلون قوما وجوههم كوجوه الكلاب ثم قطعهم فوجد أمة من الفراش يقاتلون القوم القصار، ثم قطعها فوجد أمة من الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة ثم أفضى إلى البحر المدير بالأرض فقالوا: إنا نشهد أن أمره كان هكذا .


الثابت من قصة ذي القرنين هو ما قصه الله تعالى مجملا في سورة الكهف وأما قصة دخوله في تلك الظلمة وشربه من ماء الحياة، فنقول: إن هذا لم يثبت ولم يكن عليه دليل واضح فلأجل ذلك نتوقف فيه ونقول: الله أعلم بحقيقة الحال قد عرف بأن الحياة الدنيا ليست بدار قرار وأنه ليس أحد يبقى فيها ولا يأتي عليه الموت.
والحكايات التي يذكرونها أنها أن هناك من هو حي كالخضر وإلياس وذو القرنين وأنهم باقون لا يموتون كل هذه حكايات لا أصل لها بل الواقع يكذبها، فمن ادعى أن هناك نهر يسمى نهر الحياة وأن من شرب منه فإنه يحيا ولا يموت فإن هذا غير صحيح فهذه القصة التي فيها أنها ذا القرنين سأل هؤلاء الملائكة وأخبروه بهذه العين وأخبروه بهذه الظلمة، وأنه سار ومن معه حتى وصلوا إلى هذه الظلمة التي لا يدخلها أحد وأنه عزم على دخولها، إلى آخر ما ذكر في هذه القصة نرى أنها إسرائيليات لا تصدق ولا تكذب.
ولكن الدلائل على أنها غير صحيحة ظاهرة لمن تأملها والقصص التي يذكرونها أن إلياس حي وأنه اتصل به فلان ورآه فلان هذه أيضا ليست صحيحة، والقصص التي يذكرون فيها حياة الخضر وأنه نبي وأنه حي ما مات وأنه باق وأنه لقيه فلان ولقيه فلان وكلمه وقال: أنت الخضر هذه أيضا لا حقيقة لها، قد أثبت العلماء أنه لا يبقى أحد معمر بل الله تعالى هو الحي الذي لا يموت قال الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وقال: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وقد استدل البخاري -رحمه الله- على موت الخضر وغيره بالحديث الذي في الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم - قال في آخر حياته: أرأيتم مائة سنة بعد هذا فإنه لا يبقى على وجه الأرض نفس منفوسة إلا ماتت يريد بذلك انقضاء قرنه؛ يعني أنه في ذلك القرن يموت من كان على وجه الأرض الآن وليس المراد موت الخلق كلهم يريد أن الموجودين على وجه الأرض في تلك الساعة لا يأتي عليهم مائة سنة إلا وقد انقضوا وولد غيرهم وعاش من بعدهم، هكذا جاء هذا الحديث مفيدا أنه لم يكن أحد باقي إلا الله تعالى.
قال الله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ قد حدد الله تعالى الآجال العادة والمتبع أنه يقل أن يتجاوز الإنسان التسعين من السنين ومن جاوز التسعين أو جاوز المائة فإنه نادر والأغلب موتهم في السن المبكرة يقول النبي -صلى الله عليه وسلم - أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجاوز ذلك لكن قد يكون في الأمم السابقة من يمد في عمره كما حكى الله تعالى عن نوح أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما أي مكث في قومه يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة فيمكن أن هذا من خصائص نوح ويمكن أن الأنبياء وأن أهل ذلك الزمان تطول أعمارهم.
وقد ورد أيضا في حديث أن الله جعل عمر آدم ألف سنة هذا قد يكون أيضا من خصائصه ويمكن أن أول الخلق في ذلك الزمان تكون أعمارهم طويلة إلى أن تقاصروا وصاروا في هذا الزمان لا يتجاوزون المائة إلا نادرا، ثم في هذه القصة أن ذا القرنين أنه مشى على الأرض وصل مطلع الشمس ووصل مغربها؛ قد ذكر بعض العلماء أن الذين ملكوا الدنيا أربعة مسلمان وكافران؛ أما المسلمان فذو القرنين وسليمان وأما الكافران فالنمرود وبختنصر لما ذكر ذلك ابن كثير توقف في ذلك وقال: الله أعلم بصحة ذلك.
فليس في قصة ذي القرنين أنه ملك الدنيا، وإنما فيها: إنه سار في جانب منها وقد يكون سيره في طريق واحد إن مر بهم قاتلهم إلا أن يسلموا ولا يمكن أنه يسير في جوانب الأرض شمالا وجنوبا فإن الأرض واسعة وأيضا فإنه انتهى سيره في جهة الغرب إلى تلك العين الحمئة ولم يتجاوزها ولا بد أن بعدها خلق لم يبلغهم وكذلك أيضا مطلع الشمس وصل إلى مكان تطلع منه الشمس ولا بد أيضا أن وراء الشمس وراء مطلعها خلق الله أعلم بهم فهل يقال إنه ملك الدنيا .
كذلك أيضا إن ما ذكر الله تعالى أنه يمر بهؤلاء فيقاتلهم إلى أن يسلموا فيمر على المسلمين فيثبتهم ويجازيهم يقول الله عنه: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا يعني يعذبه إما بقتال وإما بحبس وإما بتأديب وإما بضرب أو جلد أو نحو ذلك فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ يدل على أن عذابه في الدنيا لا يكفي عن عذابه في الآخرة، بل الله تعالى يعذبه في الآخرة بالعذاب الأشقى الذي هو عذاب النار، وأنه يقول: مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى يدل على أنه يجازي من آمن جزاء الحسنى فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا فهذه سيرته.
ولا شك أنه إنما يسير فيمن حوله ويمكن أن الله تعالى سخر له؛ سخر له الريح أو سخر له البحار حتى تحمله وتقربه إلى ما يريد أو سخر له من الدواب ما يسير به سيرا سريعا إلى أن وصل إلى ما وصل إليه.
وأما سليمان فقد ذكر الله تعالى أنه سخر له الريح غدوها شهر ورواحها شهر أي أنها تحمله في أول النهار مسيرة شهر وفي آخر النهار مسيرة شهر، ولكن ذلك لا يدل على أنه ملك الدنيا كلها.
فالواقع أن القصص التي ذكرت في القرآن مجملة يؤمن بها المسلمون ويقولون هذا مما أخبر الله به فنصدقه ونرد على من ينكرها أو يكذب بوقوعها أو يقول: إنها غير مرئية أو غير مشاهدة أو أين هي، فإن أرض الله تعالى واسعة ولم يحيطوا علما بما على وجه الأرض، فكيف مع ذلك يكذبون بأشياء لا يحيطون بها يقول الله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ أي إلا بما علمهم وأطلعهم عليه وأمر الأمم السابقة قد أخبر الله تعالى ببعضه ولم يخبر به جميعا يقول الله تعالى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ويقول تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ .
والحاصل أن سبب نزول هذه القصة مجملة سؤال كفار قريش لليهود وإخبار اليهود بأنه له خبر عجيب، وكذلك أيضا قصة الكهف وأصحاب الكهف لهم خبر عجيب ولكن ليس ذلك بعجيب على قدرة الله تعالى، فإنه على كل شيء قدير وإنه قد أحاط بكل شيء علما وإن العباد مهما حاولوا لا يحيطون بعلمه الذي وسع كل شيء يقول تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فإذا كان كرسيه وسع هذه المخلوقات السماوات والأرض ونسبة الكرسي إلى العرش أيضا نسبة صغيرة فالإنسان مهما بلغ من العلم عاجز عن أن يحيط بعلم الله.
أسئـلة
س: زعم بعض المتأخرين أن يأجوج ومأجوج قد يكونون هم أهل الصين وأن السد المذكور هو سور الصين المعروف فكيف نرد على هذا التأول؟
هذا قول قيل لأنهم لما سمعوا أن العلم قد اتسع وأن البلاد قد تقاربت وأن الاطلاع قد حصل على أطراف الأرض بواسطة المكالمات وبواسطة الطائرات ونحوها، قالوا: أين يقع هذا السد وأين يقع هؤلاء الخلق الذين هم يأجوج ومأجوج، أحطنا بأطراف الأرض وبأرجائها ولم نجدهم فأين هم فادعى بعضهم أنهم هم الصين ولكن لا تنطبق عليهم تلك الصفات ويمكن.. الله أعلم أين هم.

line-bottom