شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
ما جاء في قصة ذي القرنين وطلبه لعين الحياة التي في الظلمات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى: قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الآملي اسم> قال: حدثنا محمد بن الفضل اسم> قال: حدثنا سفيان بن وكيع اسم> قال: حدثنا أبي عن معمر بن سام اسم> عن أبي جعفر اسم> عن أبيه أنه سئل عن ذي القرنين اسم> قال: كان ذو القرنين اسم> عبدا من عباد الله -عز وجل- صالحا وكان من الله بمنزلة ضخم، وكان قد ملك ما بين المشرق والمغرب وكان له خليل من الملائكة يقال له: زيافيل اسم> وكان يأتي ذا القرنين اسم> يزوره.
فبينا هما ذات يوم يتحدثان إذ قال له ذو القرنين اسم> حدثني كيف كانت عبادتكم في السماء قال: فبكى ثم قال: يا ذا القرنين اسم> وما عبادتكم عند عبادتنا في السماء، ملائكة قيام لا يجلسون أبدا ومنهم ساجد لا يرفع رأسه أبدا وراكع لا يستوي قائما أبدا ورافع وجهه لا يطرق شاخص أبدا يقول: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح رب ما عبدناك حق عبادتك قال: فبكى ذو القرنين اسم> بكاء شديدا ثم قال: يا زيافيل اسم> إني أحب أن أعيش حتى أبلغ من عبادة ربي حق طاعته قال: وتحب ذلك يا ذا القرنين اسم> قال: نعم قال زيافيل اسم> فإن لله تبارك وتعالى عينا تسمى عين الحياة من شرب منها شربة لم يمت أبدا حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت، قال ذو القرنين اسم> فهل تعلمون أنتم موضع تلك العين قال زيافيل اسم> لا، غير أنا نتحدث في السماء أن لله ظلمة في الأرض لم يطأها إنس ولا جن، ونحن نظن أن تلك العين في تلك الظلمة.
قال: فجمع ذو القرنين اسم> علماء أهل الأرض وأهل دراسة الكتب وآثار النبوة فقال: أخبروني هل وجدتم في كتاب الله وفيما عندكم من الأحاديث عن الأنبياء والعلماء قبلكم أن الله تبارك وتعالى وضع على الأرض عينا سماها عين الحياة قالوا: لا قال: ذو القرنين اسم> فهل وجدتم فيها أن الله تعالى وضع في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جن قالوا: لا، قال عالم منهم: أيها الملك لِمَ تسأل عن هذا فأخبره بما قاله زيافيل اسم> فقال: أيها الملك إني قرأت وصية آدم اسم> عليه السلام فوجدت فيها أن الله تبارك وتعالى وضع في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان قال ذو القرنين اسم> فأين وجدتها في الأرض قال: وجدتها على قرن الشمس فبعث ذو القرنين اسم> فحشر الناس والفقهاء والأشراف والملوك ثم سار يطلب مطلع الشمس فسار إلى أن بلغ طرف الظلمة اثنتي عشرة سنة، فإذا الظلمة ليست بليل وهي ظلمة تفور مثل الدخان فعسكر.
ثم جمع علماء أهل عسكره فقال: إني أريد أن أسلك هذه الظلمة فقالوا: أيها الملك إنه قد كان قبلك من الأنبياء والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة فلا تطلبها، فإنا نخاف أن يتشعب علينا منها أمر نكرهه ويكون فيه فساد أهل الأرض فقال ذو القرنين اسم> لا بد أن أسلكها فخر العلماء سجودا ثم قالوا: أيها الملك كف عن هذا ولا تطلبها فإنا لو كنا نعلم أنك إذا طلبتها ظفرت بما تريد ولم يسخط الله علينا لكان ولكنا نخاف المقت من الله تعالى وأن يتشعب علينا منها أمر يكون فيه فساد أهل الأرض ومن عليها فقال ذو القرنين اسم> إنه لا بد من أن أسلكها فقالوا: فشأنك قال: أخبروني أي الدواب بالليل أبصر قالوا: البكارة فأرسل فجمع له ستة آلاف فرس أنثى بكارة فانتخب من عسكره ستة آلاف رجل من أهل العقل والعلم فدفع إلى كل رجل فرسا وعقد للخضر اسم> -صلى الله عليه وسلم - على مقدمته في ألفي رجل وبقي هو في أربعة آلاف رجل، وقال لمن بقي من الناس من عسكره: لا تبرحوا عسكري اثنتي عشرة سنة، فإن نحن رجعنا إليكم وإلا فارجعوا إلى بلادكم.
فقال الخضر اسم> أيها الملك إنك تسلك ظلمة لا تدري كم مسيرتها ولا يبصر بعضنا بعضا فكيف نصنع بالظلل إذا أصابتنا فدفع ذو القرنين اسم> إلى الخضر اسم> خرزة حمراء فقال: إذا أصابكم الظلل فاطرح هذه الخرزة إلى الأرض فإذا صاحت فليرجع أهل الظلال فسار الخضر اسم> بين يدي ذي القرنين اسم> يرتحل الخضر اسم> وينزل ذو القرنين اسم> وقد عرف الخضر اسم> ما يطلب ذو القرنين اسم> وذو القرنين اسم> يكتم ذلك فبينا الخضر اسم> يسير إذ عارضه واد فظن أن العين في ذلك الوادي فلما أتى شفير الوادي قال لأصحابه: قفوا ولا يبرحن رجل منكم من موقفه ورمى الخضر اسم> بالخرزة فإذا هي على حافة العين فنزع الخضر اسم> ثيابه ثم دخل العين فإذا ماء أشد بياضا من اللبن وأحلى من الشهد فشرب منه وتوضأ واغتسل ثم خرج فلبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فوقعت الخرزة فصاحت فرجع الخضر إلى صوت الخرزة وإلى أصحابه فركب وقال: لأصحابه سيروا بسم الله قال: ومر ذو القرنين اسم> فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما ثم خرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر أرض خضراء حشاشة، وإذا في تلك الأرض قصر مبني طوله فرسخ في فرسخ مبوب ليس عليه أبواب فنزل ذو القرنين اسم> بعسكره.
ثم خرج وحده حتى نزل ذلك القصر فإذا حديدة قد وضع طرفاها على حافتي القصر من هاهنا وهاهنا فإذا طائر أسود كأنه الخطاف مزموم بأنفه إلى الحديد معلق بين السماء والأرض قال: فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين اسم> قال: من هذا قال: أنا ذو القرنين اسم> قال الطائر: ما كفاك وما وراءك حتى وصلت إلي ثم قال: يا ذا القرنين اسم> حدثني قال: سل ما شئت قال: هل كثر بناء الجص والآجر قال: نعم قال: فانتفض الطائر انتفاضة انتفخ ثم انتفض حتى بلغ ثلث الحديدة ثم قال: يا ذا القرنين اسم> أخبرني قال: سل قال: كثر شهادة الزور في الأرض قال: نعم فانتفض الطائر ثم انتفخ حتى بلغ ثلثي الحديدة قال: يا ذا القرنين اسم> حدثني هل كثر المعازف في الأرض قال: نعم فانتفض الطائر حتى ملأ الحديدة سد ما بين جداري القصر قال: ففرق ذو القرنين اسم> فرقا شديدا قال الطائر: يا ذا القرنين اسم> لا تخف حدثني قال: سل قال: هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله بعد قال: لا قال: فانتفض الطائر ثلاثا ثم قال: حدثني يا ذا القرنين اسم> قال: سل قال: هل ترك الناس الصلاة المكتوبة بعد قال: لا فانتفض ثلاثا ثم قال: حدثني يا ذا القرنين اسم> قال: سل قال: هل ترك الناس الغسل من الجنابة بعد قال: لا، فعاد الطائر كما كان.
ثم قال: يا ذا القرنين اسم> اسلك هذه الدرجة التي في أعلى القصر قال: فسلكها ذو القرنين اسم> وهو خائف حتى إذا استوى على صدر الدرجة إذا سطح ممدود في واد عليه رجل قائم أو متشبه بالرجل شاب عليه ثياب بيض رافع وجهه إلى السماء واضع يده على فيه فلما سمع حس ذي القرنين اسم> قال: من هذا قال: أنا ذو القرنين اسم> فمن أنت قال: أنا صاحب الصور قال: فما بالي أراك واضع يدك على فيك رافع وجهك إلى السماء قال: إن الساعة قد اقتربت فأنا انتظر من ربي أن يأمرني أن أنفخ ثم أخذ صاحب الصور شيئا من بين يديه كأنه حجر فقال: خذ هذا يا ذا القرنين اسم> فإن شبع هذا الحجر شبعت وإن جاع جعت فأخذ ذو القرنين اسم> الحجر ثم رجع إلى أصحابه فحدثهم بالطير وما قال له، وما رد عليه.
فجمع ذو القرنين اسم> أهل عسكره فقال: أخبروني عن هذا الحجر ما أمره فأخذ العلماء كفتي الميزان فوضعوا الحجر في إحدى الكفتين ثم أخذوا حجرا مثله فوضعوه في الكفة الأخرى فإذا الحجر الذي جاء به ذو القرنين اسم> مثل جميع ما وضع معه حتى وضعوا معه ألف حجر قال: العلماء أيها الملك انقطع علمنا دون ذلك أسحر هذا أم علم ما ندري هذا؟! قال: والخضر اسم> ينظر ما يصنعون وهو ساكت فقال ذو القرنين اسم> للخضر اسم> : هل عندك من هذا علم؟ قال: نعم فأخذ الميزان بيده ثم أخذ الحجر الذي جاء به ذو القرنين اسم> فوضعه في إحدى الكفتين ثم أخذ حجرا من تلك الأحجار مثله فوضعه في الكفة الأخرى ثم أخذ كفا من تراب فوضعه مع الحجر الذي جاء به ذو القرنين اسم> ثم رفع الميزان فاستوى قال: فخر العلماء سجدا وقالوا: سبحان الله إن هذا العلم ما نبلغه قال: ذو القرنين اسم> للخضر اسم> فأخبرني ما هذا؟
قال الخضر اسم> أيها الملك إن سلطان الله قاهر لخلقه وأمره نافذ فيهم وإن الله تعالى ابتلى خلقه بعضهم ببعض فابتلى العالم بالعالم وابتلى الجاهل بالجاهل وابتلى الجاهل بالعالم وابتلى العالم بالجاهل، وأنه ابتلاني بك وابتلاك بي قال ذو القرنين اسم> حسبك قد قلت فأخبرني قال: أيها الملك هذا مثل ضربه لك صاحب الصور أن الله -عز وجل- سبب لك البلاد وأعطاك منها ما لم يعط أحدا وأوطأك منها ما لم يوطئ أحدا منها فلم تشبع فأبت نفسك إلا شرها حتى بلغت من سلطان الله -عز وجل- ما لم يبلغه أحد وما لم يطلبه إنس ولا جان.
فهذا مثل ضربه لك صاحب الصور فإن ابن آدم لا يشبع أبدا دون أن يحثى عليه التراب قال: فهنا يا ذا القرنين اسم> ثم قال: صدقت يا خضر اسم> في ضرب هذا المثل لا جرم لا أطلب أثرا في البلاد وبعد مسيري هذا حتى أموت ثم ارتحل ذو القرنين اسم> راجعا حتى إذا كان في وسط الظلمات وطئ الوادي الذي كان فيه زبرجد فقال الذين معه: أيها الملك ما هذا الذي تحتك وسمعوا خشخشة تحتهم قال: ذو القرنين اسم> خذوا فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم فأخذ منه الرجل الشيء بعد الشيء وترك عامتهم لم يأخذوا منه لم يأخذوا شيئا فلما خرجوا فإذا هو زبرجد فندم الآخذ والتارك ثم رجع ذو القرنين اسم> إلى دومة الجندل اسم> وكان بمنزله بها فأقام بها حتى مات.
قال: أبو جعفر اسم> إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: رحم الله أخي ذا القرنين اسم> لو ظفر بالزبرجد في مبدئه ما ترك منه شيئا حتى يخرجه إلى الناس لأنه كان راغبا في الدنيا، ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا لا حاجة له فيه، وصلى الله على محمد اسم> وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
قال: وحدثنا الوليد بن أبان اسم> قال: حدثنا يعقوب بن سفيان اسم> قال: وقرأت على يحيى بن عبدك اسم> قال: حدثنا المقرئ اسم> قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد اسم> قال: حدثني سعد بن مسعود اسم> عن شيخين من شيوخ تجيب قالا: كنا بالإسكندرية اسم> فقلنا: لو انطلقنا إلى عقبة بن عامر اسم> فتحدثنا عنده فانطلقنا فوجدناه جالسا في ظل داره فأخبرنا الخبر فقال: رسم> إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: أنا عبد لا أعلم إلا ما علمني ربي ثم قال: اذهب فمن وجدت بالباب من أصحابي فأدخلهم فلما رآهم النبي -صلى الله عليه وسلم -قال لهم: إن شئتم لأخبرتكم بما جئتم تسألوني عنه قبل أن تكلموني وإن شئتم تكلمتم فأخبرتكم بما جئتم تسألوني عنه قالوا: بل أخبرنا. قال: جئتم تسألوني عن ذي القرنين اسم> فسوف أخبركم كما تجدونه مكتوبا في كتبكم إن أول أمره كان غلاما من الروم أعطي ملكا فسار حتى أتى أرض مصر اسم> فابتنى عندها مدينة يقال لها الإسكندرية اسم> فلما فرغ من بنائها أتاه ملك فعرج به فقال: انظر ما تحتك فقال: أرى مدينتي وأرى معهما مدائن ثم عرج به فقال: انظر ما ترى فقال: أرى مدينتي قد اختلطت بالمدائن ثم زاد فقال: انظر ما ترى قال: لا أرى مدينتي وحدها لا أرى غيرها. فقال له الملك: لك تلك الأرض كلها وهذا السواد الذي ترى محيطا بنا البحر وإنما أراد الله تبارك وتعالى أن يريك الأرض وقد جعل لك سلطانا فيها فسر في الأرض فعلم الجاهل وثبت العالم، فسار حتى بلغ مغرب الشمس ثم سار حتى بلغ مطلع الشمس ثم أتى السدين وهما جبلان لينان يزلق عليهما كل شيء فبنى السد ثم سار فوجد يأجوج ومأجوج يقاتلون قوما وجوههم كوجوه الكلاب ثم قطعهم فوجد أمة من الفراش يقاتلون القوم القصار، ثم قطعها فوجد أمة من الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة ثم أفضى إلى البحر المدير بالأرض فقالوا: إنا نشهد أن أمره كان هكذا رسم>.
الثابت من قصة ذي القرنين اسم> هو ما قصه الله تعالى مجملا في سورة الكهف وأما قصة دخوله في تلك الظلمة وشربه من ماء الحياة، فنقول: إن هذا لم يثبت ولم يكن عليه دليل واضح فلأجل ذلك نتوقف فيه ونقول: الله أعلم بحقيقة الحال قد عرف بأن الحياة الدنيا ليست بدار قرار وأنه ليس أحد يبقى فيها ولا يأتي عليه الموت.
والحكايات التي يذكرونها أنها أن هناك من هو حي كالخضر اسم> وإلياس اسم> وذو القرنين اسم> وأنهم باقون لا يموتون كل هذه حكايات لا أصل لها بل الواقع يكذبها، فمن ادعى أن هناك نهر يسمى نهر الحياة وأن من شرب منه فإنه يحيا ولا يموت فإن هذا غير صحيح فهذه القصة التي فيها أنها ذا القرنين اسم> سأل هؤلاء الملائكة وأخبروه بهذه العين وأخبروه بهذه الظلمة، وأنه سار ومن معه حتى وصلوا إلى هذه الظلمة التي لا يدخلها أحد وأنه عزم على دخولها، إلى آخر ما ذكر في هذه القصة نرى أنها إسرائيليات لا تصدق ولا تكذب.
ولكن الدلائل على أنها غير صحيحة ظاهرة لمن تأملها والقصص التي يذكرونها أن إلياس اسم> حي وأنه اتصل به فلان ورآه فلان هذه أيضا ليست صحيحة، والقصص التي يذكرون فيها حياة الخضر اسم> وأنه نبي وأنه حي ما مات وأنه باق وأنه لقيه فلان ولقيه فلان وكلمه وقال: أنت الخضر اسم> هذه أيضا لا حقيقة لها، قد أثبت العلماء أنه لا يبقى أحد معمر بل الله تعالى هو الحي الذي لا يموت قال الله تعالى: رسم> كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ قرآن> رسم> وقال: رسم> وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا قرآن> رسم> وقد استدل البخاري اسم> -رحمه الله- على موت الخضر اسم> وغيره بالحديث الذي في الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم - قال في آخر حياته: رسم> أرأيتم مائة سنة بعد هذا فإنه لا يبقى على وجه الأرض نفس منفوسة إلا ماتت متن_ح> رسم> يريد بذلك انقضاء قرنه؛ يعني أنه في ذلك القرن يموت من كان على وجه الأرض الآن وليس المراد موت الخلق كلهم يريد أن الموجودين على وجه الأرض في تلك الساعة لا يأتي عليهم مائة سنة إلا وقد انقضوا وولد غيرهم وعاش من بعدهم، هكذا جاء هذا الحديث مفيدا أنه لم يكن أحد باقي إلا الله تعالى.
قال الله تعالى: رسم> كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ قرآن> رسم> قد حدد الله تعالى الآجال العادة والمتبع أنه يقل أن يتجاوز الإنسان التسعين من السنين ومن جاوز التسعين أو جاوز المائة فإنه نادر والأغلب موتهم في السن المبكرة يقول النبي -صلى الله عليه وسلم - رسم> أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجاوز ذلك متن_ح> رسم> لكن قد يكون في الأمم السابقة من يمد في عمره كما حكى الله تعالى عن نوح اسم> أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما أي مكث في قومه يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة فيمكن أن هذا من خصائص نوح اسم> ويمكن أن الأنبياء وأن أهل ذلك الزمان تطول أعمارهم.
وقد ورد أيضا في حديث أن الله جعل عمر آدم اسم> ألف سنة هذا قد يكون أيضا من خصائصه ويمكن أن أول الخلق في ذلك الزمان تكون أعمارهم طويلة إلى أن تقاصروا وصاروا في هذا الزمان لا يتجاوزون المائة إلا نادرا، ثم في هذه القصة أن ذا القرنين اسم> أنه مشى على الأرض وصل مطلع الشمس ووصل مغربها؛ قد ذكر بعض العلماء أن الذين ملكوا الدنيا أربعة مسلمان وكافران؛ أما المسلمان فذو القرنين اسم> وسليمان اسم> وأما الكافران فالنمرود اسم> وبختنصر اسم> لما ذكر ذلك ابن كثير اسم> توقف في ذلك وقال: الله أعلم بصحة ذلك.
فليس في قصة ذي القرنين اسم> أنه ملك الدنيا، وإنما فيها: إنه سار في جانب منها وقد يكون سيره في طريق واحد إن مر بهم قاتلهم إلا أن يسلموا ولا يمكن أنه يسير في جوانب الأرض شمالا وجنوبا فإن الأرض واسعة وأيضا فإنه انتهى سيره في جهة الغرب إلى تلك العين الحمئة ولم يتجاوزها ولا بد أن بعدها خلق لم يبلغهم وكذلك أيضا مطلع الشمس وصل إلى مكان تطلع منه الشمس ولا بد أيضا أن وراء الشمس وراء مطلعها خلق الله أعلم بهم فهل يقال إنه ملك الدنيا .
كذلك أيضا إن ما ذكر الله تعالى أنه يمر بهؤلاء فيقاتلهم إلى أن يسلموا فيمر على المسلمين فيثبتهم ويجازيهم يقول الله عنه: رسم> أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا قرآن> رسم> يعني يعذبه إما بقتال وإما بحبس وإما بتأديب وإما بضرب أو جلد أو نحو ذلك رسم> فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ قرآن> رسم> يدل على أن عذابه في الدنيا لا يكفي عن عذابه في الآخرة، بل الله تعالى يعذبه في الآخرة بالعذاب الأشقى الذي هو عذاب النار، وأنه يقول: رسم> مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى قرآن> رسم> يدل على أنه يجازي من آمن جزاء الحسنى رسم> فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا قرآن> رسم> فهذه سيرته.
ولا شك أنه إنما يسير فيمن حوله ويمكن أن الله تعالى سخر له؛ سخر له الريح أو سخر له البحار حتى تحمله وتقربه إلى ما يريد أو سخر له من الدواب ما يسير به سيرا سريعا إلى أن وصل إلى ما وصل إليه.
وأما سليمان اسم> فقد ذكر الله تعالى أنه سخر له الريح غدوها شهر ورواحها شهر أي أنها تحمله في أول النهار مسيرة شهر وفي آخر النهار مسيرة شهر، ولكن ذلك لا يدل على أنه ملك الدنيا كلها.
فالواقع أن القصص التي ذكرت في القرآن مجملة يؤمن بها المسلمون ويقولون هذا مما أخبر الله به فنصدقه ونرد على من ينكرها أو يكذب بوقوعها أو يقول: إنها غير مرئية أو غير مشاهدة أو أين هي، فإن أرض الله تعالى واسعة ولم يحيطوا علما بما على وجه الأرض، فكيف مع ذلك يكذبون بأشياء لا يحيطون بها يقول الله تعالى: رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ قرآن> رسم> أي إلا بما علمهم وأطلعهم عليه وأمر الأمم السابقة قد أخبر الله تعالى ببعضه ولم يخبر به جميعا يقول الله تعالى: رسم> وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ قرآن> رسم> ويقول تعالى: رسم> وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ قرآن> رسم> .
والحاصل أن سبب نزول هذه القصة مجملة سؤال كفار قريش لليهود وإخبار اليهود بأنه له خبر عجيب، وكذلك أيضا قصة الكهف وأصحاب الكهف لهم خبر عجيب ولكن ليس ذلك بعجيب على قدرة الله تعالى، فإنه على كل شيء قدير وإنه قد أحاط بكل شيء علما وإن العباد مهما حاولوا لا يحيطون بعلمه الذي وسع كل شيء يقول تعالى: رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قرآن> رسم> فإذا كان كرسيه وسع هذه المخلوقات السماوات والأرض ونسبة الكرسي إلى العرش أيضا نسبة صغيرة فالإنسان مهما بلغ من العلم عاجز عن أن يحيط بعلم الله.
أسئـلة
س: زعم بعض المتأخرين أن يأجوج ومأجوج قد يكونون هم أهل الصين اسم> وأن السد المذكور هو سور الصين المعروف فكيف نرد على هذا التأول؟
سؤال> هذا قول قيل لأنهم لما سمعوا أن العلم قد اتسع وأن البلاد قد تقاربت وأن الاطلاع قد حصل على أطراف الأرض بواسطة المكالمات وبواسطة الطائرات ونحوها، قالوا: أين يقع هذا السد وأين يقع هؤلاء الخلق الذين هم يأجوج ومأجوج، أحطنا بأطراف الأرض وبأرجائها ولم نجدهم فأين هم فادعى بعضهم أنهم هم الصين اسم> ولكن لا تنطبق عليهم تلك الصفات ويمكن.. الله أعلم أين هم.
مسألة>